ولد محمد الأمين .. من الوزارة للرئاسة (تحليل)

ولد محمد الأمين .. من الوزارة للرئاسة (تحليل)

بات من شبه المؤكد أن النائب البرلماني والرئيس السابق لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم محمد محمود ولد محمد الأمين بات خارج حسابات رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز وأن غيابه عن واجهة الفعل السياسي حسم بعد كثير من الأخذ والرد والخلافات الداخلية بين الرجل وبعض معاونيه السابقين.


ورغم أن الأخير لم يدل بأي تصريح لوسائل الاعلام قبل مغادرة الحزب أو بعدها، إلا أن النهاية التي كانت متوقعة له داخل الحزب الحاكم لم تكن محكمة الاخراج أو نظيفة بالكامل.

بين الأمس واليوم…

دخل محمد محمود ولد محمد الأمين واجهة الفعل السياسي سنة 2007 من خلال مشاركته في أول حكومة مدنية يقودها رئيس منتخب، مستفيدا من مكانته السياسية داخل الأغلبية الداعمة للرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وعلاقته الممتازة بأحد مهندسي انقلاب الثالث من أغشت 2005 اللواء الركن محمد ولد الغزواني.
وجه وزير الدفاع محمد محمود ولد محمد الأمين أنظاره صوب المؤسسة العسكرية باحثا عن التمويل لمشاريعها المهمة وتسليحها المتقادم، ومراقبا لأدائها بعد عام من تخليها عن الحكم طواعية لرجل انتخب من الشعب بعد تزكيته من قبل أبرز ضباط الجيش.
جاب ولد محمد الأمين عدة عواصم عربية أبرزها السعودية وقطر والجزائر وليبيا، ولم تكن البرازيل والصين ببعيدة عن أنظاره، وكانت أبرز نتائج تلك الجولات المكوكية جلب 50 مليون دولار لصالح القوات المسلحة من العربية السعودية اثارت الكثير من الحبر، مع دعم جزائري كان لافتا في مجال العتاد العسكري والسيارات علي وجه الخصوص.
اسند ولد محمد محمود بابن عمه اللواء الركن محمد ولد الغزواني الذي تحول من قيادة جهاز الأمن (الشرطة) الي قيادة الجيش، قبل أن تتيح له الظروف مالم تتح لغيره، قيادة المجلس الأعلى للدفاع، وقيادة الجيوش العامة بعد ذلك ضمن مسار ثقة عززته رصاصة أطويل بين الضابطين الصديقين (الرئيس وقائد أركانه).
كانت أيام ولد الشيخ عبد الاخيرة ثقيلة علي أعضاء الحكومة بفعل كثرة التعديلات الوزارية والتشابك بين مصالح الضباط والرئيس والأحزاب السياسية المساندة لكل طرف، غير أن مكانة ولد محمد الأمين داخل التشكلة لم تتأثر بفعل العلاقة مع قادة الجيش والأخلاق التي كان يعامل بها الرئيس المعزول.
من أجل الرئاسة والرئيس

مع اشتداد الأزمة السياسية بموريتانيا سنة 2009 قرر الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الترشح للرئاسيات، وقد فاز دون عناء كبير من الجولة الأولي بعد منازلة شاركتها فيها قوي حزبية ورؤساء سابقون وبعض رموز القوي التقليدية الباحثة عن مكان في القصر عبر صناديق الاقتراع.
كان احترام النصوص القانونية – ولو شكليا- يحتم علي الرئيس الموريتاني المنتخب محمد ولد عبد العزيز مغادرة المشهد الحزبي بعد أن بات رئيسا لكل الموريتانيين كما يقول أنصاره، وبات عليه البحث عن شخص ثقة لقيادة الحزب في مرحلة بالغة الدقة والتعقيد.
لم يتعب قادة الحزب المفترضين أنفسهم في التفكير، فقد أوعز الرئيس المغادر لأنصاره باختيار رئيس جديد هو وزير الدفاع في التشكلة الحكومية علي مدي ثلاث سنوات محمد محمود ولد محمد الأمين.
قبل ولد محمد الأمين الفكرة من أجل مساعدة الرئيس في مهامه الجديدة، ولم تكن رئاسة حزب حاكم أو محكوم به بالأمر المنبوذ بين القوي السياسية الداعمة للمرشح الفائز محمد ولد عبد العزيز.
في مواجهة العواصف

بدأ وزير الدفاع السابق ورئيس الحزب الحاكم محمد محمود ولد محمد الأمين ترتيب أوراق حزبه الداخلية من خلال عقد سلسلة من الاجتماعات مع رموز الأغلبية الداعمين له، وخصوصا نواب البرلمان والمجموعات المنسحبة من حزب عادل وبعض المبادرات الشبابية التي ظهرت ابان الانتخابات الرئاسية وبعض المنسحبين من حزب التكتل المعارض.
لم تكن الأمور سهلة بحكم اختلاف المشارب وحضور الذات لدي أغلب الداعمين للرئيس محمد ولد عبد العزيز، الساعين من أجل منصب في الحزب يضمن لهم مكانة مقبولة في الحكومة القادمة أو الجهاز الإداري المنبثق عنها بحكم احتكار الأحزاب الحاكمة لأغلب الوظائف الرسمية بموريتانيا.
وقد اعتمد ولد محمد الأمين علي تشكلة مقبولة من الناحية السياسية لصناع القرار والممسكين بالفعل بزمام الأمور  الأمنية والسياسية، ومتجانسة من حيث التفكير والسن.
وظل التشاور مع الرئيس أبرز قوة يعتمد عليها ولد محمد الأمين في قراراته المثيرة بعض الشيء والصادمة لبعض الفاعلين معه في أحيان كثيرة.
أسس ولد محمد الأمين تشكلة حزبية جديدة لاستيعاب الشباب ابان بداية الحراك الثوري بالعالم العربي (المنظمة الشبابية للحزب) ، وأخري للنساء من أجل استيعاب الآلاف الذين انتسبوا لحزبه والمقدرين في آخر احصائية ب700 ألف منتسب داخل البلاد وخارجها.
ولم تغب عن ولد محمد الأمين توازنات عرقية وفئوية تعتبر من أهم الضوابط الناظمة للعمل السياسي بموريتانيا فأوكل الأمانة العامة للحزب لعمر ولد معط الله، ونائب الرئيس للنائب الحالي عن الحزب خدجة ممادو جلو مع توزيع جهوي منح بموجبه منصب الشؤون السياسية لمحمد محمود ولد جعفر(سيلبابي)،والنائب الأول للرئيس للوزير محمد يحي ولد حرمه (إينشيري)، ومسؤول التنظيم للمختار ولد داهي (لعصابة)… الخ.

اسلامي معتدل

ظهر محمد محمود ولد محمد الأمين كشخصية اسلامية معتدلة داخل حزبه، وحافظ علي علاقة وازنة ومسؤولة مع بعض رموز المعارضة المناوئين له في تصرف لم يستوعبه عدد من رفاقه ومناوئيه.
علاقات طورها ولد محمد الأمين الي تحالف انتخابي في بعض الأحيان مع أبرز خصوم ولد عبد العزيز (حزب تواصل) من أجل شراكة مرحلية في انتخابات جزئية لتجديد مجلس الشيوخ.
وقد مكن التحالف الذي أقامه ولد محمد الأمين الحزب الحاكم من حصد كافة شيوخ العاصمة نواكشوط، والفوز بمنصب شيخ مقاطعة ابي تلميت (مسقط رأس زعيم المعارضة أحمد ولد داداه) في حادثة نادرة الوقوع منذ بداية المسلسل الديمقراطي بموريتانيا.
ورغم توجه الرجل الإسلامي فقد كانت مصالح حزبه أهم لديه من علاقاته برفاقه السابقين، ففك الارتباط بين حزبه والإسلاميين مبكرا، وتحول الأمر الي جفاء ابان الحراك العربي، وبات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية أبرز المناوئين للثورة والأحزاب السياسية الداعمة لها في موريتانيا.
غير أن صدامه المحلي مع الإسلاميين لم يطوره الي حرب شاملة مع جماعات الإسلام السياسي (الاخوان المسلمين)، وحافظ علي علاقات وازنة مع قوي وأحزاب اسلامية عاملة بالمنطقة أو الشرق الأوسط وخصوصا حركة النهضة (تونس)،حركة المقاومة الإسلامية “حماس” (فلسطين)، العدالة والتنمية (المغرب) العدالة والبناء (ليبيا)، التحالف من أجل الشرعية (مصر)…
مع انفتاح مماثل علي القوي اليسارية العاملة بالعالم العربي أو آسيا ضمن سياسة تستحضر مكانة الحزب (الحزب الحاكم) وتطلعات تلك الأحزاب للشراكة ، وكانت العلاقة مع حزب الاستقلال المغربي المعارض،وحزب الشعب الحاكم في الصين أبرز ما نسجه ولد محمد الأمين ابان فترة قيادته للحزب.
في مواجهة الغاضبين
لم تسلم فترة محمد محمود ولد محمد الأمين من منغصات داخلية، فكانت أوجه الصراع الداخلي مكشوفة للجميع بين الرئيس ومعاونيه وبعض القوي الساعية الي حضور يوازي حضوره أو الضاغطة باتجاه بديل أكثر تفهما لمطالبها وانسجاما مع رؤى أفرادها الداخلية.
وتطور الأمر الي انقسام حاد بين أطر الحزب بعد أن قرر وزراء أترارزه ساعتها (ستة وزراء) مقاطعة أنشطة الحزب بالولاية متهمين رئيس الحزب بالتصرف بشكل منفرد، وكان مهرجان أركيز أبرز علامات الشقاق بين الرئيس ومناوئيه.
حسم الأمر في النهاية الي خضوع الجماعة لإدارة الحزب ورئيسه، وتقديم اعتذارات فردية له، وتنظيم نشاط سياسي هدفه المصالحة وطي صفحة الماضي والعودة للحظيرة.
غير أن انتخابات 2013 كشف عن عمق تلك الخلافات ، اذ تناثرت أوراق الحزب الداخلية بفعل رياح الطمع التي تملكت أغلب رموزه الباحثين عن مكانة سياسية لأنفسهم أو لبعض المقربين منهم من شباب الحزب أو نسائه، وكانت للأحزاب الصغيرة حصتها من جملة الغاضبين المغاضبين.
تعامل ولد محمد الأمين بصرامة وقرر تمرير لائحة المقترحات التي ناقشها مع الرئيس، ودافع عن عمل اللجنة الحزبية التي قام بتشكيلها للبت في تلك المقترحات غير مكترث بحجم الشائعات والطعن في الأعمال التي قامت بها من قبل بعض قادة الحزب وأنصاره.
حافظ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم علي أغلبية مريحة داخل البرلمان، غير أن رئيسه قرر مغادرة الرئاسة بعد أول انتخابات شاملة يشارك فيها،تاركا الساحة للمهتمين بها، ومخففا من ثقل أمانة تحملها لأربع سنوات عجاف كانت مليئة بالاضطرابات السياسية والأزمات الأمنية، وكان الحزب فيها رأس حرب في مواجهة الحراك الداخلي المعارض، والهدف الاول لكل الغاضبين من تصرفات الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أو الطامعين في حظوة لدي الرئيس.
وبغض النظر عن بقاء ولد محمد الأمين داخل المشهد السياسي المحلي كنائب برلماني موالي للأغلبية أو توجيهه الي قطاع آخر في انتظار حسم مصيره، إلا أن الفترة الماضية كانت كافية لإكسابه تجربة داخل المشهد السياسي،عززتها علاقة مباشر بدائرة صنع القرار، وربما تكون له في قادم الأيام صولة مع مشهد آخر من مشاهد شنقيط المتغير مالم تتغير نظرة الرئيس وقائد أركانه للرجل الذي عملا معه ثمانية سنين بالغة الأهمية في مسار الرجلين.
نقلا عن زهرة شنقيط

يتم التشغيل بواسطة Blogger.