العطش "غول" يتربص بسكان الريف في موريتانيا









تشهد مناطق واسعة من الريف الموريتاني موجة عطش حادة تمتد طول فصول السنة الأربعة، ومع زيادة حجم هذه الكارثة الإنسانية، إلا أن سكان بعض القرى النائية يعتمدون على جلب المياه من الآبار الناضبة (نسبيا)، والتي يبلغ طولها أكثر من30 مترا، في وقت استعصى فيه حل الأزمة على الحكومة الحالية بفعل غياب التوازن ومحسوبية القائمين على توزيع ثروات البلد بين ساكنيه البالغ عددهم ثلاثة ملايين ونيف.


صمود لن يطول..

على بعد 890 كلم شرقي العاصمة نواكشوط وتحديدا في قرية أكدرنيت التابعة لبلدية أم لحياظ بولاية الحوض الغربي يعاني السكان من هاجس العطش الذي ظل يهددهم لعدة سنوات كانت كافية لفهم نوايا السلطة الحاكمة بعدم الالتفات إلى معاناتهم المتمثلة في الحصول على "حنفية" تكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير وترجع الود المفقود بين الراعي ورعيته.
يظل سكان القرية الصغيرة يعانون الأمرين نتيجة العطش المتواصل على مرأى ومسمع من سلطات بلادهم في الوقت الذي تستطيع فيه الحكومة توفير "حنفية" لمواطنيها الذين يقطنون في صحراء قاحلة زاد شبح الجفاف الحالي في موريتانيا من صعوبة السكن بها.
ويقول الفتح ولد أحمد بوب أحد سكان القرية إن عشرات النساء والأطفال يتجمهرون في الصباح الباكر عند بئر القرية البالغ طوله 36 مترا لجلب الماء وسقي بعض الماشية التي يمتلكونها، والتي تعد الركيزة الأساسية لحياتهم المعيشية الصعبة.
ويضيف الفتح إنه ومع صعوبة جلب المياه من البئر الناضب نسيا فان الماء المتوفر فيه ليس كافيا لسد حاجة الأفراد أحرى أن يسقي ما يملكون من مواش قليلة.
ويرى سداتي ولد باب وهو أحد الشباب القاطنين بالقرية إن صمود السكان لن يطول كثيرا ما لم تبادر السلطة الحاكمة أو فاعلي الخير في الداخل أو الخارج بتقديم المساعدة للقرية التي تتوفر على حفر سبق لشركة عراقية تعمل في مجال جلب المياه في موريتانيا أن قامت بحفره وسط تسعينيات القرن المنصرم قبل أن تنسحب عن المشهد تاركة ورائها مئات السكان في قرية أكدرنيت وهم يعانون من شبح عطش مرعب ظل يلاحقهم إلى اليوم.
ويقول سكان القرية إن انسحاب الشركة العراقية عن مواصلة حفرها المذكور وأد حلم الحصول على الماء وهو لا يزال في المهد، وساهم في إطالة فترة معاناة سكان الرقية الذين أصبحوا يعتبرون أنفسهم في حالة عزلة تامة عن حكومتهم وهم يشاهدون القرى المجاورة لهم وهي تحصل على "حنفيات" من نوع متطور في وقت يعتمد فيه سكان القرية على جلب الماء على ظهورهم من بئر يبلغ طولها 36 مترا.
مطالب تدخل نفقا مظلما..
يقول مسئولو القرية إن كل المطالب التي تقدموا بها على طول فترة معاناتهم دخلت في نقف مظلم فلم تصغي السلطات الإدارية بولاية الحوض الغربي التي يتبعون لها إداريا لمطالبهم التي تكشف في طبيعتها ـ حسب تصريحات المسئولين ـ عن حجم الكارثة وصعوبة تحملها لوقت أطول.
ويتساءل سكان القرية عن الجرم الذي اغترفوه بحق الحكومات المتعاقبة في موريتانيا من أجل التوبة منه، معللين ذلك بأنه ربما يكون ناجما عن مبايعتهم لتلك الأحكام وتبعيتهم لأي رئيس منتخب في البلد دون أخذ حصتهم من المكافئات التي يتحصل عليها سكان القرى المجاورة في تأييدهم لمرشحي السلطة الحاكمة.
ولم يستبعد السكان وجود عراقيل قام بها بعض النافذين في المنطقة لحرمانهم من الحصول على الماء، مطالبين السلطات بإنصافهم والإصغاء إلى طلبهم المشروع قبل أن يتصيدهم "غول العطش" وهم داخل وطنهم يرفعون لا فتات تردد "لا للتهميش والإقصاء غير المبررين".


آمال في أصحاب الخير..
يقول الشاب باديد ولد سيدي الأمين إنه إذا كان حلم سكان قرية "أكدرنيت" في الحصول على حنفية من لدن الحكومة فإن آمالهم في الحصول عليها عن طريق الخيرين وأصحاب النوايا الحسنة في الداخل أو الخارج لم يمت بعد، مشيرا إلى أن فاعلي الخير والذين تؤلمهم معاناة البشرية لا يزالون يوجدون بكثرة في العالم وأن إمكانية تقديمهم للمساعدة هو الخيار الأخير الذي يراهن سكان القرية عليه في ظل تقاعس حكومتهم عن أداء مهمتها في تزويد قريتهم بالماء.
وطالب ولد سيدي الأمين باسم النساء والأطفال والشيوخ من سكان القرية، ـ موجها كلامه إلى فاعلي الخير وإلى محبي الحسنات من الناس ـ بتقديم المساعدة لهم منبها إلى أن من سقى كبدا حرى من بهيمة أو غيرها أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
وأشار إلى قصة الأعرابي الذي جاء إلى النبي (ص) فقال: علمني عملا أدخل به الجنة، قال: "أطعم الطعام، وأفش السلام،: فقال لا أطيق ذلك، قال: فهل لك إبل؟ قال: نعم، قال: فانظر بعيرا فاسق عليه أهل بيت لا يشربون الماء إلا غبا فلعله لا ينفق بعيرك ولا يتخرق سقاؤك حتى تجب لك الجنة.
ويأمل سكان القرية أن تتحقق آمالهم باستجابة فاعل خير يساعدهم في الحصول على "حنفية" يقولون إن حفرها موجود في القرية منذ فترة طويلة وإن شراء "ماكينة" جلب الماء وحده كفيل بحل مشكلتهم التي باتت عقبة كأداء، مؤكدا أن فقرهم وبعدهم عن حكومة بلدهم لم يسمحا لهم بتجاوزها.

يتم التشغيل بواسطة Blogger.