"أدبياي"...فن توارث الجهل والبعد عن أجواء التعليم

"أدبياي"...فن توارث الجهل والبعد عن أجواء التعليم

بحسرة كبيرة وتفكير مستمر في مستقبل جيل لم يتعلم منذ ولادته (تربطه أواصر القربى بالمتحدث)، يحكي المسن موسي ولد مسعود، زعيم "أدباي" سابقا ورئيس "أحسي لعبيد" حاليا، يحكي قصة المأساة التي يعاني منها جميع من ولدوا في قرية "أحسي لعبيد" التابعة لبلدية "أم لحياظ" بولاية الحوض الغربي منذ سبعينيات القرن المنصرم.



  
ذكريات أليمة ..
يلملم الرجل جراح الذاكرة وقد كادت غصة الألم تمنعه عن الكلام قائلا: لن أكتم عنكم شيئا من الحقيقة وسأتحدث إليكم بكل صدق وأمانة، فأنا المسؤول الأول عن مصالح سكان "أحسي لعبيد" منذ تمركزنا في هذه المنطقة القاحلة قبل عقود.
جميع الوجوه التي ترونها جانبي لا تكتب ولا تقرأ! ليس لأنها لا ترغب في ذلك، بل لأنها حرمت منه بقوة النفوذ وغياب المؤسسات التربوية وجهل شيوخ "أدباي" سابقا، الذين أفنوا حياتهم في الرعي والزراعة بعيدا عن المدارس.

صدقونى .. نحن نريد أن نكون على نفس المستوي التعليمي الذي يحظى به سكان القرى المجاورة لنا ،والتي يسكنها أناس متعلمون ولهم أبناء درسوا في مدينة لعيون أو حتى فى نواكشوط، لكن العقبة التي تحول بيننا مع ذلك ـ يضيف ولد مسعود ـ هي عدم الحصول على مدرسة بشكل مبكر، حيث لم يستجب عمدة البلدية السابق إبراهيم ولد عبد الرحمن لطلباتنا المتمثلة في افتتاح مدرسة في القرية والتي تقدمنا بها منذ بداية التسعينات، وبقي أطفالنا منشغلون برعي الماشية للآخرين وممارسة بعض الأعمال اليدوية بعيدا عن أي فرصة لتعلم حرف ولو في لوح من خشب.

يستذكر موسي ولد مسعود، وهو يتحدث إلي موفد وكالة "الأخبار" محاطا بمجموعة من أعيان القرية، تقديمهم لطلب المدرسة قائلا: أنظر كم من سنة مضت على هذا التاريخ وقارن بين أعمار شباب الحي في تلك الفترة وأعمارهم الآن كي تعلم كم من الزمن أمضيناه في طلب المدرسة التي لم يتم افتتاحها إلا قبل سنتين من الآن ولم يصلنا سوى الترخيص دون أن تقوم السلطات ببناء مدرسة، حيث كنا ندرس بداية الأمر في عريش جهزه سكان الحي على جهودهم الخاصة ويجلس فيه الأطفال مفترشين الأرض وملتحفين السماء، وهو جو لم يحتمله حتى معلمنا، الذي لم يدرس من الأسبوع سوى يوم أو يومين ثم يغادرنا باتجاه الولاية ـ العيون ـ متذرعا بمهمة يقوم بها لصالح الدولة..


بعيدا أجواء عن المدارس..
لم يستطع موسى ولد مسعود أن يكمل حديثه المحزن عن واقع القرية التربوي فقد حرص رفيقه العيد ولد دلبح على أن يدخل على الخط ويشاركه في شرح رحلة معاناة سكان الحي مع التعليم كبارا وصغارا وإلى الآن.

يقول ولد دلبح: "أول محاولاتنا للدخول في جوقة المتعلمين في الثمانينات، حين حاولت مع مجموعة من شباب " أدباي" ساعتها الدخول في المدرسة الابتدائية بقرية أم لحياظ عاصمة البلدية، ولكن محاولتنا باءت بالفشل بعد تدخل مجموعة محسوبة على عمدة البلدية ـ أم لحياظ ـ حيث زعموا أن التدريس غير جيد وليس له مستقبل بالنسبة لنا كأرقاء سابقين بل إن تعليمنا سيجعل مصالح الكثيرين تضيع في ظل غياب عمالة بالبلدية خارج أبناء "أدباي"...

وعندها، يقول العيد ولد دلبح، اضطررنا لمغادرة المنطقة رعاة للأغنام أو مزارعين ببعض السدود القديمة "كنيو" أو "أم الكرعان" وظلت حياة "أدباي" يطبعها الجهل والضعف أمام الآخرين إلى أن قررنا النزوح جماعيا إلى هذا المكان والاستقرار فيه علنا نحظى بلفتة من الحكومة تعيدنا إلى أجواء الحياة..

يصر العيد ولد دلبح على أن غياب التعليم تسبب في مشاكل لا حصر لها للسكان المحليين، ويأمل أن تعيد لهم السلطة الاعتبار من خلال دعم مدرستهم اليتيمة والعمل على إطلاق مشاريع تعليمية قد يستفيد منها الكبار..

مطالب تحتاج إلى تفهم..
أما الشيخ الوقور موسى ولد مسعود فبالنسبة له قد حقق الكثير من الأحلام لساكن الحي وخصوصا جيله الناشئ الذي حظي بعد الكثير من الوقت بمدرسة في القرية، لكنها مدرسة على الطريقة القديمة فلا يزال الصبيان يقرؤون داخل حجرة متهالكة بنيت من الطين على جهود سكان الحي التي يصفها موسى بالجهود المتواضعة .

ويختتم زعيم الحي ولد مسعود حديثه قائلا: ذات يوم من شتاء 2009، قررنا بناء مدرسة واجتمعنا ودفع كل واحد منا ما جاد به جيبه من أواق وتحقق بالفعل بناء الحجرة الوحيدة التي تقف شامخة بين منازل الحي وهم ينظرون إليها ككنز حصلوا عليه بعد عناء كثير، ويأملون أن تتدخل السلطات الموريتانية للمرة الأولي لمساعدتهم على بناء مدرسة بإمكانها مواجهة تحدي فصل الخريف الذي يطيح بأغلب البنايات في المنطقة، ناهيك عن توفير معلمين يتمتعون بالقدر الكافي من الوطنية لتعليم جيل يحاول بكل صدق تعويض عقود من الزمن مضت دون تعليم".

أحمد ولد سيدي
يتم التشغيل بواسطة Blogger.